
بحكم الانتماء والنّشأة التي كانت في صوالين يتواجد فيها بصورة دورية مجلة صباح الخير وروز اليوسف وأكتوبر وروايات نجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس، وقبل ذلك المغامرون الخمسة ورجل المستحيل، إلى جانب المسلسلات التي كانت تُوضع ضمن جداول الدراسة والمذاكرة، وربما لدواعي الحب أيضاً والعلاقات الأزلية بين الشعبين، نحن نتابع الإعلام المصري بصورة دائمة وبحب، ونكاد أن نعطيه من الاهتمام ما نعطيه لإعلامنا السوداني ـ رغم التراجع المريع للإعلام المصري في السنوات الأخيرة، ورغم أنّ مصر بتاريخها العظيم فقدت ريادتها العربية في الإعلام، وفقدت صدارتها عربياً حتى في السياسة، والثقافة والفن والأدب والرياضة أيضاً، مع أنّ مصر صاحبة تاريخ لا يُقارن وهي تمتلك الإمكانيات البشرية في المواهب والمهارات، ولكن تفتقد للإمكانيات المادية وتفتقد للتخطيط والإدارة، وما يحدث في الإعلام المصري يجعلني أقول إنّ مصر تفتقد الإعلام أيضاً، حيث يبدو أنّ ما يطرحه الإعلام المصري، ونحن من ذلك لسنا بعيدين خارج السيطرة، وخارج حتى نطاق الخدمة.
ما يحدث من تراشق ومن صراع وتهاتر بين إعلام الأهلي وإعلام الزمالك في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي يخصم من مصر الكثير ـ ونحن قد نكون أقرب لهم في ذلك (الهتر)، لكن لا أعتقد أن يصل الطرح بين إعلامي الهلال والمريخ إلى ما وصل إليه الحال بين إعلامي الأهلي والزمالك، لكن علينا أن ننتبه وأن نبقي الحب بيننا والاحترام.
الشعب السوداني يتميّز في أنّه يقدم العلاقات الاجتماعية على السياسية والرياضية مع بعض النشاز الذي لا أثر له.
إذا تحدثت في الرياضة، في تراجع مصر، واكتفيت بالنموذج منها على الأمثلة التي عرضتها، أقول إنّ البنية التحتية الهائلة والرؤى الإدارية البعيدة تمتلكها قطر، بينما تمتلك السعودية أفضل وأقوى دوري عربي وهو دوري مرشح لمنافسة أكبر خمس دوريات في العالم، ومصر إدارياً وفنياً بعيدة عن قطر والسعودية في الرياضة.
مع ذلك، نحن بحكم الانتماء وتأثرنا بالثقافة المصرية وهذا أثر قد يفلت منه الأجيال الجديدة، مازلنا نتابع بشغف الإعلام المصري والثقافة المصرية رغم انحسارها في السنوات الأخيرة، ورغم فقرها المدقع الذي تعاني منه.
مصر لا تملك محمد حسنين هيكل آخر، وليس بينهم أحمد بهاء الدين أو أنيس منصور أو محمود السعدني.. وليس بين ظهرانيهم أم كلثوم أخرى أو عبد الوهاب جديد.
إعلام مصر أصبح يمثله عمرو أديب وشوبير وأحمد موسى وهو إعلام (سطحي) لا ينتج ولا يعمل إلا إذا توفرت له (حضانة) من السلطات.
هذا الإعلام هو إعلام فقير لأنه تتحكم فيه رعاية (جبنة)، أو (بسكويت) أو مزيل عرق ويخضع لرجال أعمال، لأنهم راعون للبرنامج أو مالكون للقناة.
إعلام موجه بصورة تجعلك تعرف الحلقة ومحتواها قبل أن تُقدّم.
قبل أيام على قناة الحياة، استضاف عمرو الليثي المؤلف والكاتب الدرامي الكبير يوسف معاطي الذي شكل مع عادل إمام ثنائية في معظم أعمال الزعيم الأخيرة، معاطي في لفتة ذكية من كاتب كبير، قال استعجب كيف لا تصطحب الدراما المصرية وجود عشرة أو تسعة ملايين سوداني في أراضيها ولا تطرح قضاياهم ولا تقدمهم كفئة أصبحت تؤثر في المجتمع المصري وتتأثر به.
دعكم من الدراما، إذا كان هنالك إعلام مصري ذكي كان سوف يخاطب هذه الشريحة ويستهدفها، فهي أصبح لها تأثيرٌ في المجتمع المصري.
مصر فقدت ريادتها، لأنها أصبحت منكمشة على نفسها ولا تقوم بالدور المناط بها، وللتأكيد على ذلك الوجود السوداني الكبير في مصر كان يفترض أن تستغله مصر وتقدم على سبيل المثال والمنفعة لهم الدعوة للهلال والمريخ للمشاركة في الدوري المصري، كان ذلك سيكون استثماراً تنتفع به مصر قبل السودان، ولكن لأن مصر فقدت القدرة على المغامرة بل المبادرة، اختارت أن تبعد عن كل شئ.
موريتانيا مع أن التواجد السوداني فيها ضعيف، استقبلت الهلال والمريخ ورحبت بوجودهما في الدوري الموريتاني، مع أن إمكانيات مصر لا تقارن مع إمكانيات موريتانيا، لكن موريتانيا تفوّقت على مصر لأنها تملك روح المبادرة وروح الحب حتى في أمر كان يفترض أن تقوم به مصر.
العلاقة بين السودان ومصر تمنحنا هذا الحق، هم في هذه الحرب لم يقصروا، وجدنا منهم كل خير، لكن بحكم العلاقة التي تجمع بين السودان ومصر، فإنّ السودان يستحق… والسودانيون سيردون الجميل ولو بعد حين، فلا تبخلوا على السودان بما يستحق.
مصر فتحت أراضيها للسودان واستقبلت أكثر من عشرة ملايين مواطن سوداني، ولكن السودان قبل ذلك كان قد أُغرق أراضيه وهُجِّر أهاليه من أجل السد العالي وإنارة مصر.
أقول دائماً إنّي على المستوى الشخصي أحب مصر، لكن الحب لا يمنعني أن انتقد ما أراه خطأً، كما إنِّي لا أمنع شهادتي إن كانت لصالح من أمقت وإن كان عدوّاً.
لا نكتب من منطلق أحب وأكره، نكتب من منطلق مسؤوليتنا، لأن الكلمة أمانة، لن نتملق بها ولن ننافق ـ سوف نقول كلمة الحق ولو كانت على رقابنا ـ من يغضبهم ذلك يسرنا منهم ذلك، لأن الحق يغضب أهل الباطل.
دعوني أثبت ما أقول، وأدعم موقفي ببعض الأحداث ولكم حق الحكم فيه.
عندما فاز الهلال على المريخ برباعية وتُوِّج بالدوري الممتاز، الإعلام المصري أهمل ذلك الخبر ولم يهتم به، وهو يعرف أن هنالك أكثر من عشرة ملايين سوداني في الأراضي المصرية، يفترض من الإعلام المصري أن يقدم لهم خدمة إعلامية، وهذا أمرٌ ستستفيد منه مصر أكثر من السودان، لكنهم تجاهلوا هذا الخبر، لأنّ شوقي غريب كان يقود المريخ، ولأنّ الخسارة تُحسب لمدرب مصري، هل تصدِّقوا أنّ موقعاً كبيراً مثل موقع (صدى البلد) تحدث عن المباراة ولم يذكر نتيجتها التي انتهت عليها، عشان خاطر عيون (شوقي غريب)، بل إنهم تحدثوا عن أنّ شوقي غريب حقّق إنجازاً مع المريخ لأنه قاده لمواجهة الهلال بفرصتين!!، ثم خسر الفرصتين بسبب ظروف البلد وكأن الهلال فريق إنجليزي!! اعتبروا ذلك إنجازاً لشوقي غريب لأنه منح المريخ الفرصة في المشاركة في دوري أبطال أفريقيا، والمريخ بقيادة محسن سيد سبق له أن حقق هذا المركز، بل حقق إنجازات أكبر من ذلك.
إعلام بهذا الفهم وتلك الطريقة، هل يمكن أن يُحترم؟ إنه إعلام غير جدير بالريادة التي كان أهل لها.
المفارقة حدثت عندما فاز حسام البدري مع الأهلي الليبي بالدوري الليبي، كل القنوات والمواقع المصرية تحدّثت عن ما فعله البدري في ليبيا.. ومهاتفات من ليبيا ومداخلات في معظم البرامج للإخوة الإعلاميين الليبيين من أجل الوقوف عند إنجاز حسام البدري.
الكارثة الأكبر وقع فيها الإعلامي الرياضي الأول في مصر في هذه الفترة الكابتن أحمد شوبير، عندما ذكر في برنامجه (حارس الأهلي) على قناة الأهلي أنّ المنتخب السوداني ينهار أمام المنتخب النيجيري ويخسر بالأربعة في بطولة (الشان)، ورغم كم المُعدِّين الهائل للبرنامج لم يتم تصحيح الخبر حتى الآن، وقد اضطررت لمتابعة الحلقة كلها والإعادة كذلك حتى أرى إن تم تصحيح الخبر أم لا؟ ولم يتم التصحيح، لأنّ المنتخب السوداني انتصر ـ يبدو أنهم عندما وجدوا أن نتيجة المباراة انتهت 4/صفر، أعتقدوا أن هذا الفوز الكبير لا يمكن أن يحققه السودان، خاصةً في ظل الظروف التي تمر بها البلاد فردوا الأربعة للمنتخب النيجيري، ومنحوا المنتخب السوداني (الصفر).
يؤكد سوء النية، أنهم ظلوا في قنواتهم وبرامجهم الرياضية يتحدّثون عن انتصار المغرب وانتصار الجزائر ولا يقفون عن نتائج السودان إلا عندما يخسر، والمنتخب السوداني في الفترة الأخيرة إلى جانب الهلال يحققا في انتصارات عظيمة ومُدهشة ولافتة للأنظار، ويستحقا أن يقف عندهما الجميع، وقد توقفت صحيفة إسبانية لا يجمعنا معها شئ في فوز الهلال بالدوري الموريتاني ولم يتوقف في ذلك إعلام (مصر يا أخت بلادي).
هذا التعامل الإعلامي المستخف للسودان رياضياً يجب أن تشكو منه سفارة السودان ووزارة الخارجية على الأقل من أجل عشرة ملايين سوداني أو أكثر يتواجدون في الأراضي المصرية.
التراجع الذي حدث في الإعلام المصري، تؤكده سرقات فنية تم ضبطها بصورة فجة في مصر في الفترة الأخيرة، وكل إبداع في مصر يكاد أن يكون مُقتبساً أو مسروقاً.
قبل أيام، كانت هنالك ضجة تتحدث عن هذه الواقعة (اعترفت الإعلامية المصرية مها الصغير، طليقة الفنان المصري أحمد السقا، بسرقة الرسومات التي ادعت أنها من إبداعها. وأعلنت الإعلامية المصرية في بيان مقتضب عن الخطأ الذي ارتكبته، لتبدأ حديثها قائلة: “أنا غلطت”، مشيرة إلى كونها أخطأت في حق الفنانة الدنماركية ليزا صاحبة الرسمة الأصلية).
الكثير من الثقافات والتراث السوداني يسرق ويتم نسبه إلى دول أخرى، بل حتى تقاليدنا وعاداتنا يتم الاستيلاء عليها.
يمكن يأتي يوم ونفقد الجلابية والتوب والكسرة والحلو مُـر والويكة ونفقد أغاني السيرة والدلوكة وتدعي مصر أنها صاحبة هذه الإبداعات، خاصةً إنهم ينسبونها الآن إلى أسوان والنوبيين. هذه الحرب ليست خطورتها فقط في أنها أفقدتنا ثرواتنا ومرافقنا العامة، خطورة هذه الحرب أنها تفقدنا هويتنا وثقافتنا ونسيجنا الاجتماعي، فيجب أن ننتبه لذلك.
في قناة المحور المصرية هذه الأيام ترويج لإعلامي كبير اسمه يوسف الحسيني، هذا الإعلامي يروج لبرنامج أطلق عليه اسم (مساء جديد)، وهذا اسم أشهر برنامج على قناة النيل الأزرق، مر من خلاله أعظم نجوم الإعلام السوداني في التقديم، والآن عدد كبير منهم موزع على القنوات العربية.
دعونا نقول هل هنالك فضائية مصرية أو إعلامي مصري يستطيع أن يلطش له اسم برنامج يقدم في قناة سعودية أو قطرية أو إماراتية أو كويتية، إنهم لا يستطيعون ذلك..!
قناة النيل الأزرق يجب أن تحفظ حقها في اسم (مساء جديد)، وإلا سوف نجد (أغاني وأغاني) في عدد من الفضائيات المصرية في رمضان القادم، يحدث ذلك لأنّ السودان الآن مباح ويعيش في ظروف حرب تغري الآخرين على التعدي له.
هذا مثالٌ لاسم برنامج ـ ترى ماذا يحدث في تاريخنا وتراثنا وآثارنا وفنوننا؟
متاريس
في حاجات الناس بتنظر إليها على أنها بسيطة، وإنها ما فارقة معانا، وما بيناتنا لكن هي أمور فاصلة، يجب أن تكون بالنسبة لنا خطوطاً حمراء.
من يتنازل عن اسم أو فكرة ممكن يتنازل عن الأرض.
التنازلات تبدأ من هنا ـ تبدأ من أمور صغيرة.
العلاقات يجب أن تقوم على التكافؤ والاحترام، لا التنازل والسكوت.
مصر كبيرة وعظيمة، لماذا لا يبقى السودان كبيراً وعظيماً.
التاريخ لن يرحم ووقت الحساب سوف يأتي.. سوف يأتي.
أنا ألوم على ذلك أهل السودان أو حكومته وليس أهل مصر.
عشان الأمور تبقى واضحة.
ترس أخير:
شوبير إذا قال المنتخب السعودي خسر في مباراة كان قد فاز فيها ـ اعتذاراته كانت بتشتغل 6 أشهر.