
لطالما شكّل السؤال عن المصير والحرية بُعدًا مركزيًا في التجربة الإنسانية، وتجلّى ذلك في مختلف التعبيرات الثقافية من الأساطير إلى الأدب والفلسفة، وصولًا إلى السينما. ومن بين الأعمال التي قاربت هذه الثيمة برؤية عميقة ومتعددة الطبقات، يبرز فيلمان مختلفان في بيئتهما ومتقاربان في قلقهما الجوهري: فيلم “ستموت في العشرين” للمخرج السوداني أمجد أبو العلاء، وفيلم ” الحياة… أو شيء من هذا القبيل” “- “Life or Something Like It للمخرج الأمريكي ستيفن هيرك.
في كلا الفيلمين، يتم تقديم نبوءة مبكرة تنبئ بالموت القريب — واحدة تأتي من شيخ صوفي في قرية ريفية، وأخرى من متشرد في مدينة أميركية — لكن الأثر النفسي والوجودي للنبوءة لا يتوقف عند حدود الحدث، بل يتسع ليُصبح محورًا لسردية كاملة عن الصراع الداخلي بين التسليم والتمرد، وبين الخضوع لسلطة المجهول والسعي لاستعادة القرار والحرية.
يهدف هذا المقال إلى إجراء قراءة مقارنة نقدية بين الفيلمين، تركّز على العامل النفسي في تشكيل الإيمان بالنبوءة أو التمرد عليها، مع الاستعانة بأطر من علم النفس الوجودي والنقد الثقافي والأنثروبولوجي لفهم ما إذا كانت هذه الاستجابة نابعة من موروث جيني بيولوجي، أم من تشكّل اجتماعي–ثقافي يرسّخ أنظمة تأويل قديمة.
كما يسلّط الضوء على دور الشخصيات الداعمة في تفكيك التصور القدري للحياة، وعلى أثر الأطر الرمزية التي يصوغ بها المجتمع “الغيبيات” بوصفها أدوات تحكم وإعادة إنتاج للسلطة والمعنى.
وسط هذا التقاطع بين الشرق والغرب، والحداثة والتقليد، تبرز مفارقة إنسانية: أن الوعي الحرّ — وإن تأخر — يظلّ ممكنًا، وقادرًا على أن يعيد للفرد سيادته على مصيره، ويمنحه القدرة على العيش وفق أفق أكثر رحابة، قائم على التأمل، النقد، والاختيار.